28-مارس-2024

قالت “الجزيرة” انه يمكن لروسيا أن تضغط على الغرب على المدى القصير، ولكنها ستفقد مكانتها باعتبارها قوة عظمى في مجال الطاقة وستكون الولايات المتحدة الرابح الحقيقي في هذه الحرب.

وفي تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية، يقول الكاتب جيمس فيرغسون إن الأزمات النفطية العظمى في السبعينيات علّمت السياسيين الغربيين درسا واقعيا حول مكانة القوى العظمى في مجال الطاقة على الصعيد العالمي، مبينا أنه بعد مرور 50 عاما؛ يعيد التاريخ نفسه.

ويبين الكاتب أن روسيا تقاوم العقوبات الغربية من خلال تقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا، وقد تسبب احتمال حدوث انقطاع كامل لإمدادات الغاز الروسي في حالة من الذعر بأوروبا؛ حيث تفكر ألمانيا وغيرها من الاقتصادات الكبرى في تقنين الطاقة هذا الشتاء.

ويشير الكاتب إلى أنه إذا نظرنا إلى ما وراء العناوين الرئيسية المباشرة، فسوف ندرك أن الجغرافيا السياسية للطاقة أكثر تعقيدا، أو بعبارة أخرى؛ تتمتع روسيا بنفوذ كبير في مجال الطاقة على المدى القصير، ولكن موقفها سيتدهور بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وفي المقابل؛ تعاني الولايات المتحدة من مشكلة كبرى على المدى القصير لكن موقفها قوي على المدى الطويل.

ويلفت الكاتب إلى أن الاتحاد الأوروبي يعاني من أكبر المشاكل على المدى القصير والمتوسط، وعلى الرغم من المساعي الطموحة لتنويع مصادر الطاقة وإزالة الكربون، فإن الأوروبيين لا يزالون غير قادرين على إيجاد إستراتيجية طاقة جديدة قابلة للتطبيق.

الاتحاد الأوروبي والضغط الروسي
ويؤكد الكاتب أن روسيا والاتحاد الأوروبي دخلا في سباق مع الزمن، ومن الواضح أن روسيا تهدف إلى هندسة أزمة اقتصادية في أوروبا هذا الشتاء، وبالتالي إضعاف دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، ومن جانبها؛ تضغط حكومة المجر، التي اشتهرت بموقفها المتسامح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالفعل من أجل وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا، مشيرة إلى التهديد بحدوث كارثة اقتصادية.

ولم يبقَ أمام الأوروبيين، بحسب الكاتب، سوى عدة أشهر قبل حلول فصل الشتاء للاستعداد للضغط الروسي المقبل، ولكن حتى لو نجحت إستراتيجيات الضغط التي تتبعها موسكو على المدى القصير، فإن بوتين يدمر إحدى الركائز الأساسية للقوة الروسية على المدى الطويل، وفقا للكاتب جيمس فيرغسون.

لقد تعلمت أوروبا الآن درسا قاسيا حول مخاطر الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، وهي مصممة على ألا تكون معرضة للخطر مرة أخرى؛ حيث يقول أحد كبار المسؤولين الألمان إن “روسيا كانت تتطلع قبل الحرب إلى 30 عاما أخرى من عائدات النفط والغاز المضمونة، ولكنها تتطلع الآن إلى 3 أعوام”.

وحتى على المدى القصير؛ يُعد قطع صادرات الغاز من أوروبا بمثابة لعبة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لروسيا، فلا تزال خزائن روسيا تستقبل تدفقات بقيمة مليار يورو في اليوم، بشكل أساسي من أوروبا. وإذا ضحى بوتين بهذه الإيرادات، فإن قدرته على مواصلة الحرب سوف تتضاءل بسرعة.

وأوضح الكاتب أن روسيا يمكن أن تجد أسواقا بديلة لبيع نفطها بسهولة نسبيا؛ حيث تتوق كل من الهند والصين إلى زيادة وارداتها من النفط الروسي، غير أن تصدير الغاز الروسي يتم عبر خطوط الأنابيب، وتتجه خطوط الأنابيب الرئيسية نحو أوروبا، وسيستغرق بناء منشآت جديدة في الصين أعواما، لذلك قد تواجه روسيا قريبا أصولا عالقة.

ووفقا للكاتب؛ تتجلى جدية الجهود الأوروبية لتحرير أنفسهم من التبعية الطاقية الروسية في جداول سفر قادتها، فقد زارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إسرائيل ومصر لتوقيع صفقة غاز جديدة، بينما زار المستشار الألماني أولاف شولتز السنغال مؤخرا وأعرب عن رغبته في دعمها لتطوير حقل غاز جديد هناك.

ومع ذلك؛ بحسب الكاتب، لا يزال هناك سؤال كبير حول مدى السرعة والسلاسة التي يمكن أن توفر بها أوروبا بدائل لإمدادات الطاقة الروسية؛ فقد أعرب بعض كبار الشخصيات في صناعة الطاقة عن شكوكهم بشكل خاص، ومن المرجح أن يترك الوضع على امتداد الأعوام الخمسة المقبلة أوروبا في وضع غير مريح، مع تقليل الحاجة إلى إمدادات الطاقة الروسية، في الوقت الذي يواجه فيه المستهلكون ارتفاعا مطردا في الأسعار وتواجه الصناعة إمدادات غير آمنة.

من الرابح؟
في المقابل؛ فإن الولايات المتحدة في وضع مريح أكثر على المدى الطويل، فوفقا لمحلل الطاقة البارز، دان يرغين، فقد حلت الولايات المتحدة مكان روسيا باعتبارها أكبر مصدر للطاقة في العالم.

ورغم أن أسعار الطاقة المرتفعة تعتبر نقمة للمستهلكين الأميركيين، لكنها تعتبر نعمة لصناعة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، ولعل أحد أهم الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا هو أنه من الخطر أن يعتمد بلد ما على خصم جيوسياسي للحصول على إمداداته من الطاقة، وعموما؛ تُعتبر الولايات المتحدة حاليا أكبر مصدر للطاقة، بينما لا تزال الصين تعتمد بشكل كبير على الواردات.

ويشدد الكاتب على أن الإنتاج الأميركي وحده لا يمكنه حماية المستهلكين الأميركيين من ارتفاع أسعار النفط العالمية، مبينا أن رغبة الولايات المتحدة في عزل روسيا وإيران وفنزويلا عززت مكانة المملكة العربية السعودية.

وعلى عكس روسيا أو إيران، تعتبر المملكة العربية السعودية حليفا قديما لواشنطن، ولكن التهديد الحقيقي للموقف السعودي ليس جيوسياسيا وإنما بيئي، حيث إن إزالة الكربون قد تعني في النهاية أن العالم سيتوقف عن شراء النفط السعودي.

وينهي الكاتب تقريره بالقول إن أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا تزيد الطلب على الوقود الأحفوري غير الروسي على المدى القصير، بما في ذلك الفحم الذي يعتبر من أردأ أنواع الوقود. وبناء على ذلك؛ تعيد ألمانيا فتح محطات الفحم المغلقة، كما تعتمد الصين بشدة على الفحم باعتباره أكثر أشكال إنتاج الطاقة المحلية موثوقية.”الجزيرة”
المصدر: االجزيرة