25-أبريل-2024

كتبت كريستال خوري في “أساس ميديا”:

كما كان منتظراً، سيحلّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، قبيل نهاية هذا الشهر، ضيفاً على المسؤولين الروس، بعدما قرّرت روسيا الانخراط في الأزمة اللبنانية بحثاً عن إمكانِ وضعِ حدٍّ للتدهور الحاصل الذي من شأنه أن يطيح بكلّ شيء.

عوامل عديدة ومهمّة دفعت القيادة الروسية إلى فتح أبوابها أمام المسؤولين اللبنانيين. هذا رغم أنّها أدركت فداحة الفشل الذي أصاب الإدارة الفرنسية جرّاء تورّطها في الوحول اللبنانية، من دون أن تتمكّن من تحقيق أيّ تقدّم أو هدف، مع أنّها استخدمت العصا والجزرة في مقاربتها. لكنّ أيّاً منهما لم ينفع، أقلّه حتّى الآن.

إلا أنّ بلوغ الأزمة اللبنانية حدوداً خطيرة باتت تهدّد مصالح الدول الكبيرة، ومنها روسيا التي تخشى من تسلّل الفوضى إلى الداخل السوري، هو الذي يدفع بها إلى توظيف جهودها الدبلوماسية في سبيل وضع حدّ للانهيار من خلال الدفع باتجاه تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن.

حتّى الأميركيّون اقتنعوا أخيراً، كما يقول متابعون، أنّ الفوضى ليست من مصلحتهم، وأنّ الحصار المالي على لبنان سيهدم الهيكل، ويعرّض مصالحهم للضرر، ومن دون أن يدفع “حزب الله” إلى تقديم تنازلات. لهذا بدّلت واشنطن من لغتها، وراحت تتحدّث عن ضرورة تأليف حكومة تراعي متطلّبات المجتمع الدولي، مع أنّ المواكبين للموقف الأميركي يؤكّدون أنّ الأولوية راهناً هي فقط للجم الانهيار المالي للحؤول دون تحوّله إلى فيضان جارف، على أن تُترك “النفضة” السياسية المرتبطة بالتفاهمات الإقليمية، إلى مرحلة لاحقة.

ويبدو جليّاً، وفق المتابعين للموقف الروسي، أنّ موسكو تتعاطى مع الملف اللبناني بالتنسيق مع الإدارة الفرنسية، وليس بمعزل عنها أو خارجها. وتوجد ثابتتان، حتّى الآن، في المقاربة الروسية للملف اللبناني:

أولاً: لا بدّ أن تكون الحكومة برئاسة رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، ولهذا كان الحرص على استقباله والتعامل معه بحفاوة للدلالة على احترام موقعه الرسمي، وذلك قبيل تحديد موعد لزيارة باسيل لموسكو.

ثانياً: أن تكون حكومة من الاختصاصيّين، أي من غير الحزبيّين، انسجاماً مع المبادرة الفرنسية، وأن لا يكون فيها ثلث معطِّل لأيّ طرف، وتحديداً للفريق العوني. وهذا موقف تتقاطع عنده خيارات كل القوى المحليّة الشريكة في تأليف الحكومة، ومنها “حزب الله”.

على هذا الأساس، يقول المواكبون إنّ موسكو ستحاول إنزال جبران باسيل عن شجرة تصعيده، خصوصاً أنّ الأحداث والمواقف الدولية باتت واضحة في مقاربتها لملف الحكومة اللبنانية، وأنّ الرهان على الوقت، أو على تفاهم أميركي – إيراني من شأنه أن يضمن مستقبل جبران باسيل، ليس في محلّه. لأنّ هذا الاتفاق قد يكون بعيد الأمد، وفق ما يدلّ مسار مفاوضات فيينا.

ومع خوض “التيار الوطني الحرّ” معركة التدقيق الجنائي، سياسياً وقضائياً، يركّز جبران باسيل مجهوده في هذه المرحلة، كما تفيد المعلومات، على جبهة الدول الأوروبية من خلال استخدام خطاب المظلوميّة المسيحيّة، سواء عبر البعثات الدبلوماسية في الخارج أو من خلال وزارة الخارجية، بغية تجييش الأحزاب المسيحيّة الأوروبية والحصول على دعمها. ويهدف باسيل من ذلك إلى العمل على تعطيل أيّ عقوبات قد تصدر عن الاتحاد الأوروبي، والحصول على دعم سياسي له.

وفي النتيجة، بات الوضع اللبناني على مفترق طريق:

– إمّا أن تتلقّف القوى المحلية، وأبرزها رئاسة الجمهورية، المسعى الدولي، وتسارع إلى تأليف حكومة إنقاذية قادرة على تنفيذ الأجندة الإصلاحية. ولو أنّ الأحداث والتطوّرات تثبت بما لا يقبل الشك أنّ القوى اللبنانية تعاطت مع المجتمع الدولي على قاعدة الابتزاز على حافة الهاوية: نحن أو الفوضى.

– وإما تترك القوى الخارجية الفوضى اللبنانية تأخذ مجراها قبل أن تضطر إلى التدخّل بوسائل ضغط جديدة أكثر قساوة بعد عقد تفاهمات دولية ترسم من خلالها معالم المرحلة المقبلة، أسوةً بما حصل في أكثر من محطة لبنانية، بدءاً من الطائف، وصولاً إلى الدوحة. خصوصاً أنّ الشرط الإصلاحي هو ممرّ إلزامي تفرضه القوى الدولية، ولا يبدو أنّها في وارد التخلّي عنه.

MTV