19-أبريل-2024

بين الفينة والأخرى، يعود طرح “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال من جديد إلى الواجهة السياسيّة، بوصفه “حلاً سحريًا”، من شأنه إنقاذ البلاد والعباد من أزمة التشكيل المتعثّر والحكومة المجمَّدة، وفق منطق أنّ “الضرورات تبيح المحظورات”، وعلى قاعدة “التطبيع مع الفراغ”، غير المستندة لأيّ دستور أو عرف يُذكَر.

في خطابه الأخير، أتى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله على ذكر هذا الطرح، وفق قاعدة أنّ البلاد لم تعد تستطيع تحمّل المراوحة القاتلة، وقبله حاول رئيس الجمهورية ميشال عون مرارًا “التسلّل” إليه، بضغوطه المتكرّرة لإقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بعقد جلسةٍ حكوميّة، تحت أيّ عنوان، من الموازنة إلى كورونا، وما لفّ لفّهما.

لكنّ دياب لم يتجاوب، أقلّه حتى الساعة، مع هذه الدعوات، في موقفٍ توّجَهُ هذا الأسبوع ببيانٍ لافتٍ في الشكل والمضمون، فُسّر على أنّه “تمرّد” على من أتوا به إلى رئاسة الحكومة، لا سيّما عندما رمى الكرة في ملعب مجلس النواب، الذي طالبه بـ”تفسير الدستور”، بالشكل الذي يتيح تحديد “حدود” تصريف الأعمال، وهو ما يدرك سلفًا أنّه أمرٌ صعب، بل بعيد المنال…

بحثًا عن “هدف”؟!

ليس الحديث عن “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال عفويًا ولا بريئًا، برأي الكثير من العارفين والمتابعين، خصوصًا أنّه لا يأتي سوى بالتزامن مع “التأزّم” الحكوميّ، كما حصل قبل يومين عبر تسريب خبر عن اجتماع وزاري نفته وزيرة الدفاع زينة عمر ، فكلما اشتدّت الأزمة، وبدل أن “تنفرج”، يخرج من “يفجّرها” أكثر عبر “استسهال” الدعوة إلى تفعيل الحكومة المستقيلة، حتى أنّ هناك من “يتفنّن” في “الاجتهاد” على هذا الصعيد، بحثًا عن فتاوى تتيح اعتبار الاستقالة بحدّ ذاتها، “وكأنّها لم تكُن”.

أما الهدف الفعليّ لهذه الدعوات، فهو “مزدوج” وفق قراءة خصوم “العهد” بالحدّ الأدنى، ممّن يعتبرون أنّ الأخير يريد استخدام ورقة “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال في محاولة لـ”التضييق” على الحريري، أو “مقايضته”، وفق قاعدة أنّ احتفاظه بورقة “التكليف” في جيبه، ستقابلها ورقة “التفعيل” في جيب “العهد”، بحيث لا يعود للورقة الأولى أيّ “حيثيّة” تُذكَر أو يُبنى عليها، طالما أنّ الحكومة المستقيلة تعمل، كما لو كانت أصيلة.

وإذا كان هذا “التضييق” بمثابة “هدف” يسعى فريق “العهد” لتسجيله في “مرمى” الرئيس المكلّف، فإنّ “أبعاد” التفعيل تتخطّى ذلك، لتشمل “حرب الصلاحيّات” بين الجانبيْن، بحيث يحاول “العهد” أن “يحيّد” نفسه عن أيّ “تنازلات” يريد الحريري جرّه إليها، عبر الإيحاء بأنّ الأخير هو “المتضرّر” الوحيد، إذا ما بقي “مكلَّفًا” حتى آخر “العهد”، إذا ما أصبح “التطبيع” مع الفراغ مُتاحًا.

دياب لن يتجاوب!

يستغرب كثيرون هذا “الحماس” الذي يبديه “العهد”، لتفعيل حكومةٍ لم تكن مثمرة حين كانت تمتلك كلّ “المقوّمات”، والصلاحيّات، يوم ارتأى “أولياء أمرها” الشكوى من “مؤامرة دولية” تستهدفهم، و”تكبّل” حكومتهم، فيما يحاولون اليوم إقناع الرأي العام بقدرتهم على التغيير إذا ما تمّ “تفعيلها”، في ظروفٍ ستكون بلا شكّ أقسى وأصعب عليها.

لكن، في مطلق الأحوال، يؤكّد العارفون أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال لن يتجاوب مع كلّ الضغوط والتمنيّات التي تُمارَس عليه، سواء عبر الترغيب أو الترهيب، وهو لن يسجّل “سابقة” بالدعوة لعقد أيّ جلسةٍ حكوميّة بالظروف الحاليّة، ونزولًا عند طلب أحد، إذا لم تكن مثل هذه الخطوة “منسَّقة” بالحدّ الأدنى مع رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري بصورة خاصة، ورؤساء الحكومات السابقين بصورة أعمّ.

وإذا كان دياب “يعبر بين الألغام” في هذه المرحلة، خشية من أيّ “ثغرة” تطيح به، فإنّ العارفين يؤكدون أنّه ليس “في وارد” التخلّي عن “المَكاسِب” التي حقّقها في أيامه الأخيرة في السلطة، ولا سيما بعد الادّعاء عليه من قبل المحقق العدلي السابق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، يوم شهد “انفتاحًا” عليه من جانب رؤساء الحكومات السابقين، وهو ما “يراهن” عليه للمضيّ إلى الأمام، وخصوصًا إذا ما أراد أن يحفظ “خطًا للرجعة”.

يقول البعض إنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال يسعى للتأسيس لـ”مستقبل سياسيّ”، بعيدًا عن منطق “الاعتزال السياسيّ” الذي كان خياره شبه الوحيد قبل أسابيع. وتمامًا كما كان احتماؤه بموقع “رئاسة الحكومة” الحصن الداعم له في معركته “القضائية”، فإنّه يعتقد أنّ احتماءه بـ”الصلاحيات” الدستورية المُتاحة له سيكون “درعه” في المعركة “الوطنيّة”، رغم كلّ المَخاطر والصعوبات..

لبنان 24