25-أبريل-2024

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

يعيش القطاع المؤسساتي في طرابلس أسوأ أيامه، وتكرّ سبّحة الإقفالات فيه منذ ما يزيد عن السنة. فالركود الذي كانت تعيشه مؤسسات طرابلس بفعل جولات العنف وافتقار المدينة إلى المشاريع التنموية، تحوّل في زمن الإنهيار الإقتصادي الحاصل في لبنان وارتفاع قيمة صرف الدولار بهذا الشكل الهستيري إلى عملية إقفال تام، يشهدها العديد من المؤسسات في أكثر من قطاع ومهنة.

قبل أشهر أقفل محل Egoiste للألبسة في شارع عزمي بشكل نهائي، وعندما سألنا صاحبه عن السبب أجاب: “ما بقا فينا نكمل بهيك أجواء”. لا يزال المحل نفسه معروضاً للإيجار أو الإستثمار منذ حينه ولم يجد من يشغله. ومن سيشغل أي محل أو مؤسسة في الظروف الراهنة؟ فلا سائح يريد أن يزور لبنان، ولا رساميل تدخل إلى البلد بهدف الإستثمار، وسكان البلد صاروا فقراء بعدما فقدت عملتهم قيمتها. والجدير بالذكر أنّ العديد من الماركات العالمية والمحلات المشهورة أقفلت بالكامل، وكل يوم يشهد على مؤسسة تقفل أو محل يخرج من دائرة السوق، حتى أصبح مشهد صفوف المحلات المقفلة في الشوارع والمناطق أمراً أكثر من إعتيادي، في مدينة كانت حتى الأمس القريب أهمّ سوق تجاري في الشمال وربّما في كل لبنان. مشهد محزنٌ جدّاً عندما تمرّ في شارع عزمي العريق أو في شوارع قاديشا ونديم الجسر، فترى أوضاع المؤسسات المأسوي؛ وبين محلّ وآخر لا بدّ من محلٍّ مقفل بشكل نهائي ولا يجد من يغامر فيستثمره، لأنها مغامرة بالفعل معروفة النتائج سلفاً طالما الأوضاع على هذا النحو.

قبل مدّة أقفلت “تريبولي بلازا”، وهي مؤسسة كبيرة لبيع الألبسة في المدينة. وضعت إدارتها وقتها الإعلان: “مقفل إلى حين استقرار سعر الصرف.. ما بقا فينا نتحمّل”.. كان الدولار حينها قد ارتفع من حدود 8 آلاف إلى 13 ألف ليرة. مرّ أسبوع على الإقفال ولم يتغيّر شيء. عادت المؤسسة وفتحت أبوابها مجدّداً، حيث أفادت إدارتها “أنها حاولت تسجيل موقف، وليت جميع التجّار التزموا بالإقفال التام لأنّ الفتح والإقفال هذه الأيام سيّان.. عدنا وفتحنا لأنّ لدينا بضاعة من أيام الدولار 7500 لا نريد أن نرفع السعر، تركنا الأمور كما هي، نريد أن نبيع ما لدينا ولو بخسارة، المهمّ ألا تتكدّس البضاعة فتتكدّس الخسائر التي لم نعد نحتملها”.

حسين مصطفى العلي، صاحب محلات PALACIO من جهته، أكّد أنه من غير المقبول أن “يترك البلد بهذا الشكل من الفوضى ومن دون حكومة تعمل على لملمة الأوضاع. أنا مع فكرة أن تقفل كل المؤسسات في طرابلس مرة واحدة، لربما قد يحرّك ذلك شيئاً في نفوس الطبقة الحاكمة التي لا يهمّها الشعب، أمات أم عاش أم جاع.. في الحقيقة، من يفتح محله أو مؤسسته اليوم يريد فقط تمرير الوقت في انتظار أن يأتي الحل، ولكن الحل المنتظر طال وطال كثيراً.. لا نستطيع شراء بضاعة ولا مواكبة المواسم، ولا بنوك تسلّفنا، ولا زبائن تشتري.. أؤكد أننا لن نستطيع الصمود كثيراً والإنهيار الكبير آتٍ وسيكون مدوياً”.

ويقول ناجي، وهو صاحب مؤسسة تجارية في منطقة التل: “في الحقيقة من سبقونا إلى الإقفال كانوا أشجع منّا، سواء مكثوا في البيوت؛ أم هاجروا، أم فتّشوا على عمل آخر ولو كان بسطة قهوة.. نحن الذين ما زلنا ننتظر لا أدري ماذا ننتظر، وكل يوم تزداد خسائرنا بدل أن تزداد أرباحنا، وعلينا الإيجارات كالسيف المصلت فوق رؤوسنا، وتخيّل لو أنك ربحت في شهر واحد 10 ملايين وهذا من باب الحلم، لكنك ستدفع هذا المبلغ لمجرد أن يتعطل عندك مكيّف المحل مثلاً وتريد أن تستبدله.. الوضع سيّئ وكثير التعقيد، وأنا من جهتي ما زلت أفتح محلي فقط لأنني أكره الفراغ وجلوس المنازل.. يا أخي هيدا العهد قوي كتير علينا ما بقا فينا نتحمّل كسّرنا تكسير.. دخيلكن ردّونا للعهد الضعيف، دخيلكن”.